يعيش بداخلك ثلاثة أشخاص... وأنت لا تدري!

تعرّف على حالات الأنا الثلاث: الطفل، الوالد، والراشد، وكيف تؤثر كل شخصية منها على سلوكك وتواصلك مع الآخرين. اكتشف سرّ التوازن الداخلي لبناء علاقات ناجحة وصحية.

يعيش بداخلك ثلاثة أشخاص... وأنت لا تدري!


يُشبه جسم الإنسان شقّةً مفروشة بثلاث غرف منفصلة...

في كل غرفة، يسكن شخص مختلف، له حياته، وذكرياته، وتصرفاته الخاصة. وفي كل موقف تمرّ به، يتولّى أحدهم زمام الأمور، فيُمسك بزمام القيادة، ويُهيمن على الآخرين. سنتناول في هذا المقال حالات الأنا الثلاث (Ego States)؛ ثلاث شخصيات تتشكّل فينا منذ الطفولة، وتتفاعل داخلنا باستمرار. تتكامل هذه الشخصيات تحت إشراف «الأنا الراشدة» — وهي الحالة التي تُحسن التنسيق، وتُوزّع الأدوار، وتُوازن بينها وفقًا للموقف. فيما يلي استعراض لأشكال الأنا المختلفة، لتتمكّن من معرفة أيّها ينبغي استحضاره عند التعامل مع الآخرين:

حالة الأنا الطفولية (Child Ego State)

يسكن «الطفل» الغرفة الأولى.

تخيّل أنك في حفلة أو رحلة مع الأصدقاء: تتصرّف بعفوية، تضحك، تلهو، وتُبدع بلا قيود — هنا يظهر الطفل الحر، لأنه يتصرّف دون ضوابط أو حواجز.

لا يهمّ كم بلغ عمرك؛ ففي داخلك طفل يحتفظ بروحك الأولى، يعبّر عن نفسه بتلقائية، ويُفكّر بمرونة دون تعقيد أو تكلّف.

لكن في لحظة ما، قد تتنازل عن تلك التلقائية، تخفض صوتك، تكبت اعتراضك، وتتحوّل إلى ذلك الطفل الهادئ المُنصاع، فقط لتنال القبول أو تتجنّب الرفض.

عادةً ما يكون صوته خافتًا، جسده مُنحنيًا، ونظرته مكسورة. يُطيع دون نقاش، ويتحمّل الإهانة دون اعتراض. هذه هي صورة الطفل المُذعن أو الطفل المُتكيّف — وهي الحالة التي نستدعيها غالبًا في بيئات العمل أو المواقف التي تتطلّب الخضوع والامتثال على حساب الذات.

أما الوجه الثالث، فهو الطفل المُتمرّد — ذاك الذي يرفض الأوامر، ويثور على القيود، يعيش في صراع دائم مع محيطه، يصعب قيادته، وسريع الانفعال، حادّ الردّ.

وبطبيعة الحال، يحمل كلٌّ منّا هذه الأشكال الثلاثة، ونستدعيها بحسب السياق الذي نواجهه.

حالة الأنا الوالدية (Parent Ego State)

يسكن «الوالد» الغرفة الثانية.

وهو ذلك الجزء منك الذي يتجلّى في المواقف التي تستدعي الحنان، أو الأبوة، أو النُصح، أو التعاطف.

عندما تُصغي بعمق، وتُربّت على كتف أحدهم، وتُقدّم نصيحة صادقة أو دعمًا حنونًا — فأنت إذًا تستدعي الوالد الراعي.

هذه الحالة تتكوّن غالبًا في الطفولة، نتيجة لما تلقيناه من رعاية ودفء من والدينا، ونُعبّر عنها بعبارات مثل:

  • «أفعل هذا لأجلك»،

  • «أنا هنا من أجل مصلحتك»،

  • «أفهمك أكثر مما تتصوّر».

أما الصورة الأخرى، فتتمثّل في الوالد الناقد.

في هذه الحالة، تلبس ثوب الحِدّة، وتُكثِر من الأوامر والانتقادات واللوم، وغالبًا ما تظهر حين تشعر بالاستفزاز أو الغضب.

تستخدم حينها تعبيرات مثل:

  • «المفروض أن...»،

  • «لازم تعمل كذا»،

  • «مش معقول!»

كلٌّ من هاتين الشخصيتين — الراعية والناقدة — لها طريقة تفكير مختلفة، وبنية عصبية مختلفة، ونبرة صوت مميزة، وكأنها شخص منفصل يسكنك ويتكلّم باسمك.

حالة الأنا الراشدة (Adult Ego State)

يسكن «الراشد» الغرفة الثالثة.

وتظهر هذه الشخصية في المواقف التي تتطلّب تحكيم العقل، ووزن الأمور بعقلانية، والتعامل مع الواقع بموضوعية، وبأقل قدر ممكن من الانفعالات العاطفية.

في هذه الحالة، تضبط ردود أفعالك، وتُفكّر بهدوء، دون تلقائية الطفل أو حنان/قسوة الوالد.

تتجرّد من عواطفك المباشرة لتتّسم بالرصانة، والحياد، والشفافية، وتَزن الأمور بلغة منطقية واضحة.

تُستدعى «الأنا الراشدة» حين تطرح أسئلة تحليلية مثل:

  • «كيف حدث ذلك؟»

  • «ما الأسباب؟»

  • «من وجهة نظري، أعتقد أن...»

باختصار، حالة الأنا الراشدة هي التي تُوازن بين الطفل والوالد داخلك، وتمنحك القدرة على التفكير الناضج واتخاذ القرار السليم دون اندفاع أو تحيّز.

الموازنة بين هذه الحالات الثلاث: سرُّ نجاح علاقاتك

أنت، في كل موقف، تُجسّد إحدى هذه الشخصيات الثلاث.

وإذا خرجت منك شخصية لا تتناسب مع السياق، تفسد العلاقة، وقد يَسُوء التواصل.

إن كنت في حفلة أو نزهة، وظهر منك الوالد الناقد تردّد كلمات مثل:

«المفروض أن...»، «لازم...» — فسيبدو سلوكك متحفّظًا وغير منسجم مع الجو العام.

وإن حضرت محاضرة علمية، وأخذت تمزح بصوت مرتفع — فأنت هنا تُجسّد الطفل الحر في غير مكانه.

أو إن تحدّثت مع خطيبتك بلغة الأرقام والإحصائيات، مجسّدًا الراشد العاقل، فقد تبدو باردًا، ويصعب على الطرف الآخر التفاعل معك عاطفيًا.

لذا، اسأل نفسك دائمًا:

أيّ شخصية تتحدّث على لساني الآن؟
وأيّ شخصية يتحدّث بها من أمامي؟

فحين تنسجم الشخصية التي تُجسّدها مع الشخصية التي أمامك، يحدث التفاعل الطبيعي... وتتّزن علاقاتك.